يواصل الاحتلال "الإسرائيلي" رفض إدخال المساعدات الإنسانية المخصّصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى قطاع غزة، في خطوة تُعدّ من أخطر محاولات تقويض الدور الإنساني والتاريخي الذي تمثله الوكالة، بوصفها رمزًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة.
وعلى الرغم من الظروف الكارثية التي يعيشها سكان القطاع، واحتياج مئات الآلاف من النازحين إلى مساعدات عاجلة في ظل الشتاء والدمار، تُصرّ سلطات الاحتلال على منع دخول الشاحنات التي تحمل شعار الأونروا، بذريعة حجج أمنية أو سياسية، في ظل صمت دولي مريب.
ولا يُعد الاستهداف المتكرر للأونروا عشوائيًا، بل يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة لضرب مؤسسات تمثّل بُعدًا قانونيًا وسياسيًا لقضية اللاجئين.
وتُعد وكالة الغوث، منذ تأسيسها عام 1949، شاهدة على النكبة، فيما يُمثّل استمرارها تأكيدًا دوليًا على أن قضية اللاجئين لم تُحل بعد.
ويُضاعف حرمان الأونروا من أداء دورها حجم الأزمة الإنسانية، خصوصًا في مخيمات النزوح التي تعتمد بشكل أساسي على مساعداتها في مجالات الغذاء والصحة والتعليم، كما يُنذر تعطيل الوكالة بانهيار منظومة الإغاثة في غزة، وتصاعد حالة الغضب الشعبي.
المدير العام للهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، اعتبر أن قرار الاحتلال بمنع وكالة الأونروا من استئناف عملها رسميًا داخل قطاع غزة هو قرار سياسي بامتياز، موضحًا أن الاحتلال يمنع دخول الموظفين الدوليين، وكذلك الشاحنات المحمّلة بالأغذية والملابس والشوادر والأدوية طالما تحمل شعار الوكالة، مؤكدًا أن هذا القرار يتنافى كليًا مع القانون الدولي.
وقال هويدي، لـ "فلسطين أون لاين"، إن “ما يقوم به الاحتلال يُشكّل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حصانة المنظمات الأممية لعام 1946، التي تتيح لوكالة الأونروا العمل بحرّية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة”، مشيرًا إلى أن لهذا القرار تداعيات إنسانية بالغة الخطورة على سكان القطاع.
وأضاف أن تبعات القرار تمتد إلى مختلف القطاعات الحيوية، إذ كانت الأونروا تشرف قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على 284 مدرسة، تستقبل قرابة 300 ألف طالب وطالبة، وقد دُمّر نحو 90% منها، ومع ذلك تواصل الوكالة جهودها عبر توفير التعليم الوجاهي لما يقارب 50 ألف طالب، رغم النقص الحاد في البنية التحتية، حيث يضطر بعض الطلبة إلى الكتابة على أوراق الكرتون بسبب شح القرطاسية.
وأوضح هويدي أن لدى الوكالة قرابة 12 ألف موظف في غزة، يعمل ثمانية آلاف منهم في قطاع التعليم، فيما يتوزع الباقون بين الصحة والإغاثة.
وأشار إلى أن القطاع الصحي يشهد تراجعًا خطيرًا، إذ لم يتبقَّ سوى ستة مراكز صحية رئيسية من أصل 22، كانت تقدّم نحو 3.4 ملايين زيارة سنويًا.
كما بيّن أن برامج رعاية الأمهات قبل الولادة، التي كانت تستفيد منها قرابة 31 ألف امرأة حامل، توقفت شبه كليًا، إضافة إلى توقف برنامج القروض والخدمات الاجتماعية الذي كان يخدم نحو 100 ألف فلسطيني.
وأكد هويدي أن البنية التحتية في مخيمات اللاجئين الثمانية داخل غزة تعاني تدهورًا شديدًا، حيث توقفت مشاريع المياه والكهرباء والصرف الصحي وتحلية المياه، بسبب منع إدخال قطع الغيار والمعدات الأساسية.
وأوضح أن الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسة إلى استبدال دور الأونروا بمؤسسات بديلة فشلت سابقًا، مثل ما يُسمّى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي وصفها بأنها شكّلت عنصر إضعاف وخطرًا على السكان داخل القطاع.
وأضاف أن التحدي بات كبيرًا أمام استئناف عمل الوكالة، لا سيّما بعد تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في بداية العدوان على غزة، حين قال إن “الأونروا لن يكون لها دور بعد انتهاء الحرب”.
ولفت إلى أن هذا الموقف يُخالف حتى البند الثامن من مقترح ترامب، الذي ينص على استئناف عمل وكالات الأمم المتحدة، بما فيها الأونروا، داخل القطاع.
وذكر أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط جميع القرارات والمعاهدات الدولية، مستشهدًا بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق ماركو روبيو، الذي ادّعى أن الأونروا “جزء من حماس”، وهو ما نفته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الذي برّأ الوكالة من أي ادعاءات تتعلق بعدم الحياد أو الارتباط بأي جهة سياسية.
وختم هويدي بالتأكيد على أن استهداف الأونروا يأتي لأنها تمثل بُعدًا قانونيًا وسياسيًا وإنسانيًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين، معتبرًا أن هذا الاستهداف جزء من رؤية أمريكية–إسرائيلية مشتركة تهدف إلى القضاء على مسمى اللاجئ، وإنهاء عمل الوكالة، في محاولة لطمس جريمة النكبة، وفرض واقع جديد مفاده: "لا لجوء… إذًا لا نكبة."

